("تعار من الليل") استيقظ، وقيل: إنما يكون مع صوت. وقيل: لا يقال: تعار إلا لمن قام وذكر. وظاهر الحديث الأولُ؛ لأنه قَالَ:"من تعار .. فقال" فعطف القول بالفاء على (تعار)، فهذا من قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (١٥٢)} [البقرة: - ١٥٢] فجمع في هذا الحديث ما في هذِه الآية، ومن ذكره الله لا يعذبه، ومن قبل له حسنة قبل له سائر عمله؛ لأنه يعلم عواقب الأمور وما يحبط الأعمال، فلا يقبل شيئًا ثم يحبطه، قاله الداودي.
ثانيها:
حديث عُبادةَ شريف عظيم القدرة وفيه ما وَعَدَ الله عباده على التيقظ من نومهم لهَجة ألسنتهم بشهادة التوحيد له والربوبية، والإذعان له بالملك، والاعتراف له بالحمد على جزيل نعمه التي لا تحصى، رطبة أفواههم بالقدرة التي لا تتناهى، مطمئنة قلوبهم بحمده وتسبيحه وتنزيهه عما لا يليق بالإلهية من صفات النقص، والتسليم له بالعجز عن القدرة عن نيل شيء إلا به، فإنه وعد بإجابة دعاء من بهذا دعاه، وقبول صلاة من بعد ذلك صلى، وهو تعالى لا يخلف الميعاد.
فينبغي لكل من بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته لربه العظيم أن يرزقه حظًّا من قيام الليل، فلا عون إلا به، ويسأله فكاك
(١) ورد في هامش الأصل: في "الكاشف" سنة أربع. وفي … لابن عساكر: وقيل: سنة ثلاث.