قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وأما السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين فهذا لم يكن موجودًا في الإسلام في زمن مالك، وإنما حدث هذا بعد القرون الثلاثة قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم. فأما هذِه القرون التي أثنى عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن هذا ظاهرًا فيها، ولكن بعدها ظهر الإفك والشرك، ولهذا لما سأل سائل لمالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -. فقال: إن كان أراد المسجد فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل، للحديث الذي جاء "لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد". وكذلك من يزور قبور الأنبياء والصالحين ليدعوهم، أو يطلب منهم الدعاء، أو يقصد الدعاء عندهم لكونه أقرب إجابة في ظنه، فهذا لم يكن يعرف على عهد مالك، لا عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره، "مجموع الفتاوى" ٢٧/ ٣٨٤ - ٣٨٥. وقال أيضًا ردًا على من قال: إن السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين قربة، وإنه إن نذر السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين أنه يفي بهذا النذر. فقال: هذا القول لا يعرف عن أحد من أئمة المسلمين، وإن أطلقوا القول بأن السفر إلى زيارة قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، قربه، أو قالوا هو قربة مجمع عليها: فهذا حق إذا عرف مرادهم بذلك، كما ذكر ذلك القاضي عياض، وابن بطال وغيرهما: فمرادهم السفر المشروع إلى مسجده، وما يفعل فيه من العبادة المشروعة التي تسمى زيارة لقبره، ومالك وغيره يكرهون أن تسمى زيارة لقبره. فهذا الإجماع على هذا المعنى صحيح لا ريب فيه. =