للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومعنى "ولا تردهم على أعقابهم" أي: بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية، فيخيب قصدهم ويسوء حالهم، ويقال لكل من رجع إلى حال دون ما كان عليه: رجع على عقبه وحار، ومنه الحديث: "أعوذ بك من الحور بعد الكور" (١) أي: من النقصان بعد الزيادة.

والبائس: الذي عليه أثر البؤس، وهو الفقر والقلة. قَالَ الأصيلي: البائس: الذي ناله البؤس، وقد يكون بمعنى: مفعول كقوله: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} أي: مرضية.

ومعنى: يرثي: يتوجع ويسوؤه ما فعل بنفسه، وذلك أنها دار هجروها لله، فأحب أن يكون محياهم ومماتهم بغيرها؛ لئلا يكون ذلك عودًا فيما تركوه لله، وقد جرت السنة أن يحفظ على الميت شعار القرب كما قلنا في الشهيد والمحرم، ولو كان نقل الميت من موضع إلى موضع جائزًا لنقله إلى موضع هجرته، وقد روى الطبراني في "معجمه الكبير" أنه - صلى الله عليه وسلم - أمر إن مات سعد في مرضه هذا أن يخرج من مكة وأن يدفن في طريق المدينة (٢).

وفي "مسند أحمد" أنه - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "يا عمرو (القاري) (٣): إنْ مات سعد بعدي فها هنا فادفنه نحو طريق المدينة". وأشار بيده هكذا (٤)، وقد أسلفنا أنه إنما رثى له؛ لأنه مات ولم يهاجر، وهو غلط، بل


(١) رواه مسلم من حديث عبد الله بن سرجس رقم (١٣٤٣) كتاب: الحج، باب: ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره.
(٢) أورده الهيثمي في "المجمع" ٤/ ٢١٢ - ٢١٣، وقال: رواه أحمد والطبراني، وفيه: عياض بن عمرو القاري، لم يجرحه أحد ولم يوثقه. ولم أقف عليه في المطبوع من "المعجم الكبير" فلعله من المفقود.
(٣) في الأصل: الداري، والمثبت من "مسند أحمد".
(٤) "مسند أحمد" ٤/ ٦٠.