للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما حديث أبي هريرة الرابع: فأخرجه مسلم أيضًا (١)، وأما حديثه الأخير فسلف في باب: الاستعفاف عن المسألة (٢).

إذا تقرر ذَلِكَ: فالآية الأولى اختلف المفسرون في تأويلها فقيل: يسألون ولا يلحفون في المسألة، وقيل: إنهم لا يسألون الناس أصلًا أي: لا يكون منهم سؤال فيكون منهم إلحاف؛ وألحف وأحفى وألح بمعنًى، والدليل على أنهم لا يسألون وصف الرب جل جلاله بالتعفف، ولو كانوا أهل مسألة لما كان التعفف من صفتهم. ويشهد له حديثا أبي هريرة في الباب الأول والرابع.

واحتج بالحديث الأول، قالوا: والمسألة بغير إلحاف مباحة للمضطر إليها، يدل على ذَلِكَ ما رواه مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد له صحبة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافًا" (٣)

فدل ذَلِكَ أن من لم تكن له أوقية فهو غير ملحف ولا ملوم في المسألة. ومن لم يكن ملومًا في مسألته، فهو ممن يليق به اسم التعفف.

وليس قول من قال: لو كانوا أهل مسألة لما كان التعفف من صفتهم. بصحيح؛ لأن السؤال المذموم إنما هو لمن كان غنيًّا عنه بوجود أوقية أو عدلها، فالحديثان مختلفان في المعنى لاختلاف ظاهر ألفاظهما.

والأول نفي الإلحاف ودل على السؤال، والثاني نفي فيه السؤال أصلًا، وانتفي فيه الإلحاف بنفي السؤال، وإنما اختلفا لاختلاف أحوال السائل؛ لأن الناس يختلفون في هذا المعنى، فمنهم من يصبر عن السؤال


(١) "صحيح مسلم" (١٠٣٩).
(٢) سلف برقم (١٤٧٠).
(٣) "الموطأ" ٢/ ١٧٩ (٢١١١) باب: التعفف عن المسألة، وصححه الألباني في "الصحيحة" ٤/ ٢٩٦ (١٧١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>