وقيل: إن الحديث خرج على سبب، وهو أن الجاهلية كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج، فأباح ذَلِكَ الإسلام، وقيل: قاله تطييبًا لقلب أصحابه، وليتأسى به غيره في الرخصة، ولا يضيق على أمته؛ لأن بعض أصحابه كانوا لا يحبون أن يفعلوا إلا كفعله.
وقوله:"لأحللت" يقال: أحل من إحرامه فهو محل، وحل أيضًا قال تعالى:{وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا}[المائدة: ٢] وقوله في حديث أبي موسى: فأمرني فطفت بالبيت، ثم أمرني فأحللت. هذا يخالف ما أمر به عليًا، وذلك أنه - عليه السلام - كان معه الهدي، وكذا علي، فشاركه علي في عدم التحلل، وأبو موسى لم يكن معه هدي فصار له حكم النبي - صلى الله عليه وسلم - في الإحرام فقط؛ لأنه قال:"لولا الهدي لجعلتها عمرة وتحللت".
قال ابن التين: ويشبه أن يكون أراد كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - أي: كما سَنَّه وعَيَّنَه من أنواع ما يحرم له، ولم يكن معه هدي، ولا اتساعَ لثمن الهدي، فأمر أن يحل بعمل عمرة إذا كان إهلاله بها مضى وعلي كان معه الهدي.
وقيل: أمر أبا موسى بمنزلة ما أمر غيره ممن كان معه بفسخ العمرة إلى الحج إذ لا هدي معه.
وقول عمر:(أن نأخذ بكتاب الله … إلى آخره) ظاهره أن من أنشأ حجًّا ليس له فسخه في عمرة من أجل الهدي؛ تعظيمًا لحرمات الله، وتأول قوم أنه - عليه السلام - كان نهى عن التمتع بالعمرة إلى الحج. وهذا تأويل من لا يعرف؛ لأن التمتع ثابت بنص الكتاب والسنة، وروي عنه أن ذَلِكَ خاص بذلك العام كما سلف إباحته؛ ردًّا لقول الجاهلية إن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور.