قال الطحاوي: وروى مالك وجماعات عددهم عنها أن إحرامها كان بحجة. زاد حماد وغيره عن مالك: فأمرهم لما قدموا مكة أن يجعلوها عمرة. وكذلك في رواية عمرة والأسود موافقة القاسم عن
عائشة بالإفراد.
وقولها:(لا نرى إلا الحج). إنما هو على معنى لا نعرف إلا الحج؛ لأنهم لم يكونوا يعرفون العمرة في أشهر الحج، فخرجوا محرمين بالذي لا يعرفون غيره.
قال: والأشبه عندي أن يكون إحرامه كان بالحج خاصة، لا بهما؛ لأنه قد أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة، ولا يجوز أن يكون أمرهم بذلك وهم في حرمة عمرة أخرى؛ لأنهم يرجعون بذلك إلى أن يصيروا في حرمة عمرتين، وقد أجمع المسلمون على المنع من ذَلِكَ، ومحال عندنا أن يجمعوا على خلاف من أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مما لم يكن مخصوصًا به، وما لم يفسخ بعد فعله إياه. قال المهلب: وقد أشكل حديث عائشة على أئمة الفتوى، فمنهم من أوقف الاضطراب فيه عليها، ومنهم من جعل ذَلِكَ من قبل ضبط الرواة عنها، ومعناه يصح -إن شاء الله- بترتيبه على مواطنه، ووقت إخبارها عنه في المواضع التي ابتدأ الإحرام منها، ثم أعقب حين دنا من مكة بما أمر من لم يسق الهدي بالفسخ، فأما حديث الأسود عن عائشة فإنها ذكرت فيه البدأة، وأنها أهلَّت بحجة مفردة بذي الحليفة، وأهلَّ الناس كذلك، ثم لما دنوا من مكة أمر من لم يكن ساق الهدي أن يجعلها عمرة، إذ أوحى الله إليه بتجويز الاعتمار في أشهر الحج، فُسحة منه تعالى لهذِه الأمة، ورحمةً لهم بإسقاط أحد السفرين عنهم، وأمر من لم يكن معه هدي بالإحلال بعمرة؛ ليُري أمته جوازها، ويعرفهم بنعمة الله تعالى