قال: وحَدَّثَني ابن أبي حازم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن عليًّا أفرد الحج، وأفرد ابن عمر ثلاثين سنة متوالية، ما تمتع ولا قرن، إلا عامًا واحدًا. وأفردت عائشة كل عام حَتَّى توفيت. قال: فعلمنا أن الإفراد هو الذي فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاليقين؛ لأنا نعلم بفعل أصحابه بعده -وهم بطانته- أنهم لا يتركون ما فعل. وهكذا قال المدنيون والمصريون من أصحاب مالك. وأما نهي عثمان عن المتعة والقران، وإهلال علي بهما، فإن عثمان اختار ما أخذ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خاصة نفسه، وما أخذ به أبو بكر وعمر، ورأى أن الإفراد عنده أفضل من القران والتمتع.
والقران عند جماعة من العلماء في معنى التمتع؛ لاتفاقهما في المعنى، وذلك أن القارن يتمتع بسقوط سفره الثاني من بلده، كما يصنع المتمتع، وكذلك يتفقان في الهدي والصوم لمن لم يجد هديًا عند أكثر العلماء. قال المهلب: وأما قول من اختار القران؛ لأنه الذي فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه يفسر من وجهين:
أحدهما: توهين قول أنس فيما رواه عنه مروان الأصفر أنه - عليه السلام - قال لعلي:"لولا أن معي الهدي لأحللت"(١) فبان بهذا أنه - عليه السلام - لم يكن قارنًا؛ لأن القارن لا يجوز له الإحلال، كان معه هدي أو لم يكن، وهذا إجماع.
ثانيهما: أن التمتع والقران رخصتان، والإفراد أصل، ومحال أن تكون الرخصة أفضل من الأصل؛ لأن الدم الذي يدخل في التمتع والقران جبران، وهو يجب لإسقاط أحد السفرين، أو لترك شيء من
(١) سلف برقم (١٥٥٨) باب: من أهل في زمن النبي كإهلال النبي - صلى الله عليه وسلم -.