وقوله في الحديث الثالث:(أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ عُمْرَةَ) إلى أن قَالَ: (حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ، فَنَحَرَ وَحَلَقَ، وَرَأى أَنْ قَدْ قَضَى طَوَافَ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ. وَقَالَ ابن عُمَرَ: كَذَلِكَ فَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -).
لعله يريد بطوافه الأول أنه لما قدم طاف وسعى مرة واحدة، وذلك الطواف ليس من أركان الحج، وإنما هو طواف القدوم، وإنما الواجب لهما طواف الإفاضة الذي يفعله يوم النحر أو بعده، ومخرج هذا الإشكال ما ذكره الداودي، قَالَ: يعني قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول يعني: الذي معه سعي.
وقوله:(كَذَلِكَ صنع رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) يُحتمل أنه يريد أنه قرن، ويحتمل أن يريد صنعنا كما صنعنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وقوله:(ولم يزد عَلَى ذَلِكَ) يعني: ولم يزد عَلَى السعي، ولكن طاف طواف الإفاضة.
وأما الصد المذكور في حديث ابن عمر، فلنتكلم عليه هنا؛ ليُحالَ فيما بعدُ عليه، فنقول: اختلف العلماء في المحصر في الآية الكريمة، بالعدوِّ أو بالمرض؟ فمن قَالَ بالأول احتج بذكر المرض فيه، فلو كان المحصر هو المحصر بمرض، لما كان لذكر المرض بعد ذَلِكَ فائدة، واحتجوا بقوله تعالى:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالعُمْرَةِ إِلَى الحَجِّ}[البقرة: ١٩٦] ومن قَالَ بالثاني قَالَ: لا يُقال: أحصر في العدو، وإنما يقال: حصره العدو، وأحصره المرض، وإنما ذكر المرض بعد ذَلِكَ؛ لأنه صنفان: صنف محصر، وغير محصر، وقال:{فَإِذَا أَمِنْتُمْ} أي: من المرض، وعكس ذَلِكَ، فأحصر بالعدو، وحصر بالمرض؛ لأن العدو إنما عرض للإحصار، والمرض فاعله.
وعند الحنفية: أن كل مانع يمنع المحرم من الوصول إلى الحرم