للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وحجة من أجاز ذَلِكَ أنه - صلى الله عليه وسلم - جعل وقت هاتين الصلاتين من حين تغيب الشمس إلى آخر وقت العشاء، وجعل له أن يجمع تقديمًا وتأخيرًا، وأوقات الصلاة إنما هي محدودة بالساعات والزمان، فمن صلاها بعد الغروب بعرفة أو دون المزدلفة فقد أصاب الوقت، وإن ترك الاختيار لنفسه في الموضع، والصلاة لا تبطل بالخطأ في الموضع إذا لم يكن نجسًا، ألا ترى أن من صلاها بعد خروج وقتها بالمزدلفة، فمن لم يصل إلى المزدلفة إلا بعد طلوع الفجر أنه قد فاته وقتها، فلا اعتبار بالمكان.

ويشبه هذا المعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يصلين أحد منكم العصر إلا في بني قريظة" (١). فأدرك وقت الصلاة القوم في بعض الطريق، فمنهم من صلى، ومنهم من أخَّر إلى بني قريظة، فلم يعنف أحدًا منهم.

واحتج الطحاوي لأبي يوسف فقال: لا يختلفون في الصلاتين اللتين تصليان بعرفة أنهما لو صليتا دونهما كل واحدة منهما في وقتها في سائر الأيام كانتا مجزئتين. فالصلاة بمزدلفة أحرى أن تكونا كذلك؛ لأن أمر عرفة لما كان آكد من أمر مزدلفة كان ما يفعل في عرفة آكد مما يفعل في مزدلفة، فثبت ما قَالَ أبو يوسف وانتفي ما قاله الآخرون (٢).

فائدة:

سميت المزدلفة لاقترابهم إلى منى، والازدلاف: التقرب، ومنه {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ (٩٠)} [الشعراء: ٩٠] أو لاجتماع الناس بها،


(١) سلف برقم (٩٤٦) كتاب: صلاة الخوف، باب: صلاة الطالب والمطلوب، راكبًا وإيماءً.
(٢) "شرح معاني الآثار" ٢/ ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>