إن سعة اطلاع البخاري على علوم الحديث وفنونه، ومعرفته الواسعة بأحوال الرجال، وكثرة رحلاته طلبًا للحديث، وأخذًا عن الشيوخ، وقوة حافظته الخارقة، كل ذلك هيأه لإخراج الجامع الصحيح، وأعانه على تأليفه، كما أنه لم يكن متعجلًا متسرعًا في إخراجه وجمعه، بل اتخذ في تأليفه وتصنيفه أسلوبًا علميًا صحيحًا، ومنهجًا دقيقًا فريدًا، ويظهر ذلك كله في طريقة جمعه، ومدة تأليفه، وفي اختياره المكان المنالسب لتبييضه، وعدد المرات التي أعاد كتابته قبل أن يخرجه للناس، وفي الاستعداد الخاص عند الكتابة والتصنيف، روى السبكي في "الطبقات" قال (١):
قال شيخنا أبو عبد الله الحافظ: أروي من وجهين ثابتين عن البخاري أنه قال:
(أخرجت هذا الكتاب من نحو ستمائة ألف حديث، وصنفته في ست عشرة سنة، وجعلته حجة فيما بيني وبين الله، وما أدخلت في الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح لأجل الطول). فهو لم يخرج من الجامع كل ما روى وحفظ من الحديث، بل ما صح منه على شروطه.
واشتغل في تأليفه وتصنيفه وجمعه وترتيبه وتبييضه وتنقيحه، مدة بلغت ستة عشر عامًا، وهي تستغرق مدة رحلاته العلمية إلى الأقاليم والأقطار الإسلامية، بمعنى أنه كان يرحل لطلب الحديث، ثم يعود