وأما موسى فأبدى لَهُ السهيلي معنًى آخر وهو أن ورقة قد تنصر والنصارى لا يقولون في عيسى: إنه نبيٌّ يأتيه جبريل، وإنما يقولون: إن أقنومًا من الأقانيم الثلاثة اللاهوتية حل بناسوت المسيح عَلَى اختلافٍ بينهم في ذَلِكَ الحلول، وهو أقنوم الكلمة، والكلمة عندهم عبارة عن العلم، فلذلك كان المسيح في زعمهم يعلم الغيب ويخبر بما في الغد في زعمهم الكاذب، فلما كان هذا مذهب النصارى عدل عن ذكر عيسى إلى ذكر موسى لعلمه، ولاعتقاده أن جبريل كان ينزل عَلَى موسى، قَالَ: لكن ورقة قَدْ ثبت إيمانه بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ثمَّ ساق حديث الترمذي السالف (١).
الثاني بعد الخمسين:(النَّامُوسُ) بالنون والسين المهملة وهو
(١) "الروض الأنف" ١/ ٢٧٣، قال الحافظ في "الفتح" ١/ ٢٦: وقوله (على موسى) ولم يقل: (على عيسى) مع كونه نصرانيًّا؛ لأن كتاب موسى -عليه السلام- مشتمل على أكثر الأحكام، بخلاف عيسى. وكذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لأن موسى بعث بالنقمة على فرعون ومن معه، بخلاف عيسى. كذلك وقعت النقمة على يد النبي - صلى الله عليه وسلم - بفرعون هذِه الأمة وهو أبو جهل بن هشام ومن معه ببدر. أو قاله تحقيقًا للرسالة، لأن نزول جبريل على موسى متفق عليه بين أهل الكتاب، بخلاف عيسى فإن كثيرًا من اليهود ينكرون نبوته. وأما ما تمحل له السهيلي من أن ورقة كان على اعتقاد النصارى في عدم نبوة عيسى ودعواهم أنه أحد الأقانيم فهو محال لا يعرَّج عليه في حق ورقة وأشباهه ممن لم يدخل في التبديل ولم يأخذ عمن بدل. نعم في "دلائل النبوة" لأبي نعيم بإسناد حسن إلى هشام بن عروة عن أبيه في هذِه القصة أن خديجة أولًا أتت ابن عمها ورقة فأخبرته الخبر فقال: لئن كنت صدقتني إنه ليأتيه ناموس عيسى الذي لا يعلمه بنو إسرائيل أبناءهم. فعلى هذا فكان ورقة يقول تارة ناموس عيسى وتارة ناموس موسى، فعند إخباره خديجة له بالقصة قال لها: ناموس عيسى بحسب ما هو فيه من النصرانية، وعند إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - له قال له: ناموس موسى للمناسبة التي قدمناها، وكل صحيح. والله جل جلاله أعلم أهـ.