للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبي يوسف والشافعي؛ وعلة ذَلِكَ أن النهي إنما ورد في الاختلاء دون الشرعي فيها، والراعي غير المختلي؛ لأن المختلي هو الذي يقطع الخلاء بنفسه، وقال آخرون: لا يجوز الرعي فيها؛ لأن الرعي أكثر من الاختلاء، هذا قول أبي حنيفة وصاحبيه قالوا: لو جاز ذَلِكَ جاز أن يحتمش منه إلا الإذخر خاصة.

وقال مالك: لا يحتش لدابته (١)، واعتلوا بالحديث، واختلاؤه استهلاك له، وإماتة وإرعاء المواشي فيه أكثر من احتشاشه في الاستهلاك، وأما جواز اجتناء الكمأة فلا صنع فيها لبني آدم؛ لأنه لا يقع عليها اسم شجر ولا حشيش، وفي إجماع الجميع: أنه لا بأس بشرب مياه آباره، والانتفاع بترابه للدليل الواضح أن ما أحدث الله في حرمه مطلق أخذه والانتفاع به كالكمأة؛ لأنها لا تستحق اسم كلأ ولا شجر، وإنما هي كبعض ما خلق الله فيها من الشجر والمدر والمياه إذ لا أصل لها ثابت.

وطلب العباس استثناء الإذخر يحتمل أن يكون تحريم مكة خاصة من تحريم الله، ويكون سائر ما ذكر في الحديث من تحريمه - عليه السلام -؛ فلذلك طلب استثناءه، ولو كان من تحريم الله ما استبيح منه إذخر ولا غيره، وقد يأتي في آية وفي حديث أشياء منها فرض، ومنها سنة، ومنها رغبة، ويكون الكلام فيها كلها واحدًا قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} الآية [النحل: ٩٠] والعدل فرض، والإحسان والباقي سنن ورغائب، ومثله قوله - عليه السلام -: "إذا ركع فاركعوا،


(١) انظر: "المبسوط" ٤/ ١٠٤ - ١٠٥، "المنتقى" ٣/ ٨٢، "المجموع" ٧/ ٤٥٥ - ٤٥٦، "الفروع ٣/ ٤٧٧ - ٤٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>