للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعمرو بن ميمون، واعتلوا بقوله في صيام داود: "لا أفضل من ذَلِكَ" وغيره كما سلف، وقالوا: إنما نهى عن صوم الأبد لما في ذَلِكَ من الإضرار بالنفس، والحمل عليها في منعها من الغذاء الذي هو قوامها وقوتها على ما هو أفضل من الصوم كصلاة النافلة وقراءة القرآن والجهاد وقضاء حق الزور والضيف، وقد أخبر الشارع بقوله: في صوم داود: "وكان لا يفر إذا لاقى" أن من فضل صومه على غيره إنما كان من أجل أنه لا يضعف عن القيام بالأعمال التي هي أفضل من الصوم، وذلك بثبوته لحرب الأعداء عند التقاء الزحوف وتركه الفرار منهم؛ فكان إذا قضى لصوم داود بالفضل على غيره من معاني الصيام، قد بين أن كل من كان صومه لا يورثه ضعفًا عن أداء الفرائض. وعمَّا هو أفضل من صومه ذَلِكَ من ثقل الأعمال وهو صحيح الجسم غير مكروه له صومه ذَلِكَ، وكل من أضعفه صومه النفل عن أداء شيء من الفرائض فغير جائز له صومه، بل هو محظور عليه، فإن لم يضعفه عنها عما هو أفضل منه من النوافل فإن صومه مكروه وإن كان غير آثم.

وكان ابن مسعود يقل الصوم، فقيل له في ذَلِكَ قال: إني إذا صمت ضَعُفْتُ عن الصلاة وهي أحب إليَّ منه (١). وكان أبو طلحة لا يكافي يصوم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أجل الغزو، فلما توفي ما رأيته يفطر إلا يوم فطر وأضحى (٢).


(١) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ٣١٠ (٧٩٠٣)، وابن سعد ٩/ ١٥، والطبراني ٩/ ١٧٥ - ١٧٦ (٨٨٧٥)، والبيهقي في "الشعب" ٢/ ٣٥٤ (٢٠١٨). وقال الهيثمي ٥/ ٢٥٧: رجاله رجال الصحيح.
(٢) سيأتي برقم (٢٨٢٨) كتاب: الجهاد والسير، باب: من اختار الغزو على الصوم من حديث أنس.

<<  <  ج: ص:  >  >>