والحديث دليل على أبي حنيفة كما سلف، وأن حكم الثمار إذا بيعت بعد بدو صلاحها إذا لم يشترط فيها القطع التبقية، وأن على البائع تركها إلى أوان الجداد، وأن العرف فيه بمنزلة الشرط.
وفيه: دلالة على استحباب وضع الجائحة، وأكثر العلماء على أنه استحباب، وقال مالك: هو إيجاب.
قال ابن بطال: بيع الثمار قبل بدو صلاحها فاسد؛ لنهيه - عليه السلام - عنه ومصيبة الجائحة فيه من البائع؛ لفساد البيع، وأنه لم ينتقل ملك البائع عن الثمرة بالعقد، ولا قبضه المشتري؛ لأن القبض لا يكون فيما لم يتم، وإنما يلبث في ملك البائع ويده فلا شيء على المشتري، والأصل في وضع الجائحة حديث جابر الذي أسلفناه، واستدل جماعة من الفقهاء بقوله:(أرأيت إن منع الله الثمرة) على وضعها في التمر يشترى بعد بدو صلاحه شراءً فاسدًا، ويقبضه في رءوس النخل ثم تصبه جائحه.
وذهب مالك وأهل المدينة إلى أن الجائحة التي توضع عن المشتري الثلث فصاعدًا، ولا يكون ما دون ذلك جائحة. وقال أحمد، وأبو عبيد، وجماعة من أهل الحديث: الجائحة، موضوعة قليلها وكثيرها. وذهب الليث والكوفيون والشافعي إلى أن الجائحة في مال المشتري، ولا يرجع على البائع بشيء واحتجوا بأن قوله:"أرأيت" إلى آخره إنما ورد في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها مطلقًا من غير شرط القطع فتلفت بجائحة، أن مصيبتها من البائع؛ لأن البيع كان باطلًا، وإلى هذا المعنى ذهب البخاري في هذا الباب، والدليل عليه أنه وارد في بيع الثمرة قبل بدو صلاحها قوله:"فبم يستحل أحدكم مال أخيه؟ "