للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ النووي: وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهرًا حسنًا فالأظهر المختار خلافه، وهو أن نفس التصديق يزيد وينقص بكثرة النظر، وتظاهر الأدلة، وانشراح الصدر، واستنارة القلب؛ ولهذا يكون إيمان الصديقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تعتريهم الشُّبه، ولا يتزلزل إيمانهم لعارض، بل لا تزال قلوبهم منشرحة مستنيرة وإن اختلفت الأحوال عليهم.

وأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم ونحوهم فليسوا كذلك، فهذا مما لا يمكن إنكاره ولا يتشكك عاقل في أن نفسَ تصديقِ الصديق لا يساوي تصديق آحاد الناس، ولهذا ذكر البخاري كما سيأتي في بابه عن ابن أبي مليكة قَالَ: أدركت ثلاثين من الصحابة كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل (١).

ويدل له ظواهر نصوص الكتاب والسنة، فمن الآيات: التي ذكرهن البخاري وغيرهن، ومن السنة: أحاديث كثيرة في "الصحيح" ستأتي في مواضعها كحديث: "يخرج من النار من كان في قلبه وزن شعيرة من إيمان" وكذا: "من كان في قلبه وزن برة من إيمان" وكذا: "من كان في قلبه وزن ذرة" (٢) فهذا هو الصحيح الموافق لظواهر النصوص القطعية ولما قاله سلف الأمة، ولما يقضي به الحسُّ، وأما إطلاق اسم الإيمان عَلَى الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق، ودلائله لا تحصى من الكتاب والسنة.


(١) "مسلم بشرح النووي" ١/ ١٤٨ - ١٤٩، وحديث ابن أبي مليكة سيأتي معلقًا قبل حديث (٤٨) باب: خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر.
(٢) سيأتي برقم (٤٤) كتاب الإيمان، باب: زيادة الإيمان ونقصانه.