قاسوا الأول على القراض، والأخير على بيع البذر من رب المال بمجهول من الطعام نسيئة، ولا يجوز عند جميع العلماء.
وذهب مالك إلى أنه لا يجوز البذر إلا من عندهما جميعًا وتكون الأرض من أحدهما والعمل من الآخر، وتكون قيمة العمل توازي قيمة كراء الأرض، والعلماء متفقون على جواز هذا الوجه؛ لأن أحدهما لا يفضل صاحبه بشيء. وإن كان البذر من أحدهما والأرض من الآخر فلا يجوز عند مالك كأنه أكراه نصف أرضه بنصف بذره.
ولا يجوز عنده كراء الأرض بشيء من الطعام، ويجوز عنده وجه آخر من المزارعة أن يكتريا جميعًا الأرض، ويخرج أحدهما البذر، ويخرج الآخر البقر وجميع العمل، وتكون قيمة البقر والعمل مثل قيمة البذر، فلا بأس بذلك؛ لأنهما سلما من كراء الأرض بالطعام وتكافئا في سائر ذلك.
وأما تخيير عمر أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بين الأوسق والأرض -يعني ذلك- أن أرض خيبر لم تكن لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ملكًا ورثت بعده؛ لأنَّه - عليه السلام - قال:"لا نُورث، ما تركنا صدقة"(١) فإنما خيرهن بين أخذ الأوسق وبين أنْ يقطعهن من الأرض من غير تمليك ما يجد منه مثل تلك الأوسق لأنَّ الرطب قد يشتهى أيضًا كما يشتهى التمر، فاختارت عائشة ذلك لتأكله رطبًا وتمرًا، فإذا ماتت عادت الأرض والنخل على أصلها وقفًا مسبلة فيما يسبل فيه الفيء.
(١) سيأتي من حديث أبي بكر برقم (٣٠٩٣) كتاب: فرض الخمس، باب: فرض الخمس. من حديث عمر برقم (٦٧٢٨) كتاب: الفرائض، باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا نورث، ما تركنا صدقة".