لحكم حسن الجوار، فلما رأى الأنصاري يجهل موضع حقه نسخ الأول بالآخر، حين رآه أصلح، وفي الزجر أبلغ، وقيل: إنما كان القول الأول منه على وجه المشورة للزبير على سبيل المسامحة لجاره ببعض حقه، لا على وجه الحكم منه عليه، فلما خالفه الأنصاري استقضى للزبير حقه وأمره باستيفائه منه.
وفيه: دليل أن للإمام أن يعفو عن التعزير، كما له أن يقيمه، وقد قيل: إن عقوبته وقعت في ماله، وكانت العقوبات قد تقع في الأموال.
وفيه: الإشارة بالصلح والأمر به، قاله المهلب (١)، وقال ابن التين: مذهب الجمهور: أن القاضي يشير بالصلح إذا رآه مصلحة، ومنع ذلك مالك، وعن الشافعي في ذلك خلاف، والصحيح جوازه.
وفيه: أن للحاكم أن يستوفي لكلِّ واحدٍ من المتخاصمين حقه، إذا لم ير قبولًا منهما للصلح ولا رضي بما أشار به، كما فعل - عليه السلام -.
وفيه: توبيخ من جفا على الإمام والحاكم، ومعاقبته؛ لأنه عاقبه عليه بما قال: بأن استوفى للزبير حقه، ووبخه تعالى في كتابه بأن نفي عنهم الإيمان حتى يرضوا بحكمه، فقال:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ}[النساء: ٦٥] الآية.
وفيه: أنه لا يلزم الصلح إلا لمن التزمه.
ثامنها:
إنما حكم على الأنصاري في حال غضبه مع نهيه أن يحكم الحاكم وهو غضبان؛ لأنه مفارق غيره من البشر؛ إذ العصمة قائمة في حقِّه في حال الرضى والسخط. أن لا يقول إلا حقًّا.