للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وزعم ابن التين وابن الأثير أن الشريف كان في الجاهلية إذا نزل أرضًا في حيه استعوى كلبًا (فحمى) (١) مدى عوي الكلب لا يشركه فيه غيره، وهو يشارك القوم في سائر ما يرعون، فنهى الشارع عن ذلك وأضاف الحمى إلى الله ورسوله، أي: إلا ما حمى للخيل المرصدة للجهاد والإبل المعدة للحمل في سبيل الله ولإبل الزكاة وغيرها، كما حمى عمر النقيع لإبل الصدقة (٢)، وحماها بالكلب عجيب، فإنهم يحمون بما شاءوا، نعم كان وائل بن ربيعة التغلبي فعل ذلك فغلب عليه اسم كليب؛ لأنه حمى الحمى بعوي كلب كان يقطع يديه ويدعه وسط مكان يريده، فأي موضع بلغ عواه لا يقربه أحد، وبسببه كانت حرب البسوس المشهورة.

وأصل الحمى في اللغة: المنع، يعني: لا منع لما لا مالك له من الناس من أرضٍ أو كلأ إلا لله ورسوله. وذكر ابن وهب أن النقيع الذي حماه الشارع قدره ميل في ثمانية أميال حماه لخيل المهاجرين، وقد أسلفنا أن مساحته بريد في بريد، وحمى أبو بكر الربذة لما يحمل عليه في سبيل الله نحو خمسة أميال في مثلها، وحمى ذلك عمر لإبل الصدقة وحمى أيضًا السرف وهو مثل الربذة.

وزاد عثمان في الحمى لما كثرت الإبل والبقر في أيامه من الصدقات. أصل فعلهم ذلك من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فمعنى قوله: ("لا حمى إلا لله ولرسوله") أي: أنه لا حمى لأحد يخص نفسه يرعى فيه ماشيته دون سائر الناس، وإنما هو لله ولرسوله ولمن ورث


(١) كذا في الأصل وفي (ف): فحوى.
(٢) "النهاية في غريب الحديث" ١/ ٤٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>