للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفيه: قطع الذرائع؛ لأن استعاذته من الدين ذريعة إلى ما أسلفناه من الكذب والخلف في الوعد مع ما يقع للمديان تحته من الذلة وما لصاحب الدين عليه من المقال.

فإن قلت: فالأحاديث التي سقتها في باب: من اشترى بالدين قريبًا، وكذا حديث جعفر بن محمد عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر مرفوعًا: "إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيه ما يكره الله". وكان عبد الله بن جعفر يقول لجاره: اذهب فخذ لي بدين فأنا أكره أن أبيت الليلة إلا والله معي (١).

قلت: لا تنافي بينهما؛ فأحاديث النهي لمن استدان فيما يكره الرب جل جلاله ولا يريد قضاءه والإباحة فيما يرضيه ويريد قضاءه، وعنده في الأغلب ما يؤديه منه، فالله تعالى في عونه على قضائه.

والمغرم الذي استعاذ منه؛ إما لكونه فيما يكره الرب ولا يجد سبيلًا إلى قضائه، وإما فيما لا يكرهه ولكن لا سبيل إلى قضائه فهو متعرض لهلاك مال أخيه ومتلف له، أو له يُسره ونوى ترك قضائه وجحده فهو عاص لربه ظالم لنفسه. فكل هؤلاء لوعدهم إن وعدوا من استدانوا منه القضاء مخلفون، وفي حديثهم كاذبون لوعودهم، وقد صحت الأخبار عنه أنه استدان في بعض الأحوال كما أسلفناه،

فكان معلومًا بذلك أن الحالة التي كره فيها غير الحال التي رخص لنفسه فيها.

وقد استدان السلف: استدان عمر وهو خليفة وقال لما طعن: انظروا كم عليَّ من الدين، فحسبوه فوجدوه ثمانين ألفًا وأكثر، وكان


(١) سيأتي تخريج هذا الحديث في شرح حديث (٢٨٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>