للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"لا تحل لقطتها إلا لمنشد" معني تختص به مكة دون غيرها كما تختص سائرِ ما ذكر في الحديث؛ لأن لقطة غيرها كذلك يحل لمنشدها بعد الحول الانتفاع بها، فدل مساق هذا الحديث كله على تخصيص مكة، ومخالفة لقطتها غيرها من البلدان، كما خالفتها في كل ما ذكر في الحديث، من أنها حرام لا تحل لأحد ساعة من نهار بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلى غير ذلك مما خصت به، من أنه لم يستبح دماءهم ولا أموالهم ولا جرى فيهم الرق كغيرهم.

ومن الحجة أيضًا لذلك: أن الملتقط إنما يتملك اللقطة في غير مكة بعد الحول؛ حفظًا لها على ربها وحرزًا لها؛ لأنه لا يقدر على إيصالها إليه، ويخشى تلفها فيتملكها وتتعلق قيمتها بذمته. ولقطة مكة يمكن إيصالها إلى ربها؛ لأنه إن كان من أهل مكة فإن معرفته تقرب، وإن كان غريبًا لا يقيم بها. فإنه يعود إليها بنفسه أو يقدر على من يسير إلى مكة من أهل بلده فيتعرف له ذلك؛ لأنها تقصد في كل عام من أقطار الأرض، فإذا كانت اللقطة فيها معرضة للإنشاد أبدًا أوشك أن يجدها باغيها ويصل إليها ربها، فهذا الفرق بين مكة وسائر البلاد (١).

قال الطحاوي: رواية ابن عباس وأبي هريرة السالفتين تمنع أخذها إلا للإنشاد بها، وقد أباح الحديث أخذ لقطة الحرم لتعرف؛ فاحتمل أن يكون ذلك أن تنشد ثم ترد مكانها، واحتمل أن يكون لغيرها. وسئلت عائشة عن ضالة الحرم بعد تعريفها، فقالت لملتقطتها: استنفقي بها (٢)، رواه عنها معاذة.


(١) "شرح ابن بطال" ٦/ ٥٥٧ - ٥٥٨.
(٢) "شرح معاني الآثار" ٤/ ١٤٠. بتصرف يسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>