للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثمَّ قَالَ بعد حكاية كلام القاضي: ظاهره أنه صرف محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اعتقاد تعظيمه وإجلاله، ولا شك في كفر من لم يعتقد ذَلِكَ. غير أن تنزيل هذا الحديث عَلَى ذَلِكَ المعنى غير صحيح؛ لأن اعتقاد الأعظمية ليس بالمحبة ولا الأحبية، ولا مستلزمًا لها؛ إذ قَدْ يجد الإنسان من نفسه إعظام شخص ولا يجد محبة؛ ولأن عمر - رضي الله عنه - لما سمع هذا الحديث قَالَ: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا والذي نفسي بيده حتَّى أكون أحب إليك من نفسك" فقال لَهُ عمر: فإنه الآن، لأنت أحب إلي من نفسي. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "الآن يا عمر" رواه البخاري في الأيمان والنذور منفردًا به (١).

فهذا كله تصريح بأن هذِه المحبة ليست باعتقاد تعظيم، بل ميل إلى المعتقد تعظيمه وتعلق القلب به.

وعلى هذا معنى الحديث -والله أعلم- أن من لم يجد من نفسه ذَلِكَ الميل لم يكمل إيمانه، عَلَى أن كل من صدَّق به - صلى الله عليه وسلم - وآمن به إيمانًا صحيحًا لم يخل عن وجدان شيء من تلك المحبة الراجحة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، غير أنهم في ذَلِكَ متفاوتون، فمنهم من أخذ من تلك الأرجحية بالحظ الأوفر كقضية عمر السالفة.

ومن المؤمنين من يكون مستغرقًا بالشهوات محجوبًا بالغفلات عن ذَلِكَ المعنى في أكثر أوقاته، لكنه إِذَا ذُكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو شيء من فضائله اهتاج لذكره واشتاق لرؤيته بحيث يُؤْثِر رؤيته بل رؤية قبره ومواضع آثاره عَلَى أهله وماله وولده ووالده ونفسه والناس أجمعين، فيخطر له هذا ونحوه وجدانًا لا شك فيه، غير أنه سريع الزوال والذهاب؛ لغلبة


(١) سيأتي برقم (٦٦٣٢) باب: كيف كانت يمين النبي - صلى الله عليه وسلم -.