واحتج أهل المقالة الأولى بحديث الباب، فالمراد إذن العائد في قيئه الرجل لا الكلب، ولما كان قد جعل الرجوع في الهبة كالرجوع في القيء، وكان رجوع الرجل في قيئه حرام كان كذلك رجوعه في هبته.
حجة الكوفيين قوله:"كالكلب يعود في قيئه" فالراجع إذن في قيئه الكلب، وهو غير متعبد بتحليل ولا تحريم فالمعنى: العائد في هبته كالعائد في قدر كالقدر الذي يعود فيه الكلب ولا يثبت بذلك منع
الواهب من الرجوع في هبته.
فأراد بذلك تنزيه أمته عن أمثال الكلاب؛ لأنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم، ويصلح الاحتجاج بهذِه الحجة لمالك.
واحتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عباس وابن عمر السالفين، باستثناء الوالد للولد.
قال الطحاوي: ولا دليل لهم فيه على تحريم الرجوع فيها، فقد يكون الشارع وصفه بأنه لا يحل لتغليظه إياه لكراهة أن يكون أحد من أمته له مثل السوء.
وقد قال:"لا تحل الصدقة لذي مرة سوي"(١). وقد أسلفنا ذلك فيما مضى.
وقال الطبري: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "العائد في هبته" معناه الخصوص، وذلك لوأن قائلًا قال: العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه إلا أن يكون
(١) رواه أبو داود (١٦٣٤)، والترمذي (٦٥٢) من حديث عبد الله بن عمرو، ورواه النسائي ٥/ ٩٩، وابن ماجه (١٨٣٩) من حديث أبي هريرة، وانظر كلام الطحاوي في "شرح معاني الآثار" ٤/ ٧٩.