للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكذلك الحرب أيضًا إنما يجوز فيها المعاريض والإيهام بألفاظٍ تحتمل وجهين فيؤدي بها عن أحد المعنيين ليغر السامع بأحدهما عن الآخر، وليس حقيقة الإخبار عن الشيء بخلافه وضده، ونحو ذلك ما روي عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه مازح عجوزًا فقال: "إن العجز لا يدخلن الجنة" (١) فأوهمها في ظاهر الأمر أنهن لا يدخلن أصلًا، وإنما أراد أن لا يدخلن الجنة إلا شبابًا. فهذا وشبهه من المعاريض التي فيها مندوحة عن الكذب، وإن لم يصلح المصلح شيئًا فله أن يعد بخير، ولا يقول سمعت، وهو لم يسمع ونحوه.

قال الطبري: والصواب في ذلك قول من قال: الكذب الذي أذن فيه الشارع هو ما كان تعريضًا ينحو به نحو الصدق، نحو ما روي عن إبراهيم النخعي أن (امرأة) (٢) عاتبته في جارية وفي يده مروحة، فجعل إبراهيم النخعي يقول: اشهدوا أنها لها ويشير بالمروحة، فلما قامت امرأته، قال: على أي شيء أشهدتكم؟ قالوا: أشهدتنا على أنها لها. قال: ألم تروني أشير بالمروحة (٣).

قلت: ومثله قوله للظالم: فلان يدعو لك، وينوي قوله: اللهم اغفر للمسلمين، ويعد زوجته، ونيته في ذلك إن قدر الله أو إلى مدة، وكذلك الإصلاح بين الناس.


(١) رواه الترمذي في "الشمائل" ص ١٠٥ (٢٤١)، والطبراني في "الأوسط" ٥/ ٣٥٧ (٥٥٤٥)، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم -" ص ٧٨، وأبو نعيم في "صفة الجنة" ٢/ ٢٢٣ (٣٩١)، والبيهقي في "البعث والنشور" ص ١٩٩ - ٢٠٠ (٣٧٩، ٣٨٢) من حديث عائشة رضي الله عنها.
وصححه الألباني في "الصحيحة" (٢٩٨٧) وأطال الكلام عليه.
(٢) كذا بالأصل، والصواب (امرأته)
(٣) "تهذيب الآثار" مسند علي ص ١٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>