لدخولها، وقبل مصالحتهم، وحبس جيشه عن انتهاك حرمة الحرم وأهله، ولما كان قد سبق في علمه من دخول أهل مكة في الإسلام فقال:"لا يسألوني اليوم خطة" إلى آخره، فكان مما سألوه أن يعظم به أهل الحرم، أن يرد إليهم من خرج عنهم وعن حرمهم مسلمًا أو غيره، وأن لا يردوا ولا يخرجوا من الحرم من فر إليهم من المسلمين، وكان هذا من إجلال حرمة الحرم.
فلهذا عاقدهم على ذلك مع بعض ما وعده الله أنه سيفتح عليه ويدخلها، حتى قال له عمر ما قال، ورد عليه الصديق.
فدل هذا على أن المدة التي قاضى عليها أهل مكة فيها إنما كانت من الله مبالغة في الإعذار إليهم مع ما سبق من علمه من دخولهم في الإسلام، وقد أسلفنا اختلاف العلماء في المدة التي هادن فيها على
أقوال.
وقال الشافعي: لا يجوز مهادنة أكثر من عشر اقتداءً به في الحديبية، فإن هُودِن المشركون أكثر من ذلك فهي منتقضة؛ لأن الأصل فرض قتال المشركين حتى يؤمنوا أو يُعطوا الجزية.
وقال ابن حبيب عن مالك: يجوز السنة والسنتين والثلاث، وإلى غير مدة وإجازته ذلك إلى غير مدة يدل على أنه يجوز مدة طويلة، فإن ذلك اجتهاد الإمام بخلاف قول الشافعي.