وروى ابن القاسم عن مالك: أنه كره لمن له دين على رجل أن يأخذ فيه ثمرة يجتنيها، أو دارًا يسكنها، أو جارية يواضعها، وكذلك إن اشترى منه بدينه كيلًا من حنطة كره أن يفارقها حتى يقبض الحنطة؛ لأنه يكون دينًا في دينٍ، وقال أشهب: لا بأس بذلك كله، وهو قول أبي حنيفة.
قالوا: وليس من الدين بالدين؛ لأنه إذا شرع في اجتناء الثمرة، وفي سكنى الدار فقد خرج من معنى الدين بالدين؛ لأن ما كان أوله مقبوضًا، وتأخر قبض سائره فهو كالمقبوض.
قال مالك: ولا يجوز لمن له طعام من بيعٍ أو سلم أن يصالحه على دراهم ليعجلها أو يؤخرها؛ لأنه بيع الطعام قبل أن يستوفَى، فلم يجز لجابر أن يعطي اليهودي مما كان على أبيه من التمر دراهم.
ووجه حديث جابر في هذا الباب أنه كان على أبيه دين من جنس تمر حائطه، فرغب إلى الغرماء أن يأخذوا تمر نخله، ويسقطوا عنه ما بقي من دينهم؛ لاتفاقهم أن الثمرة لا تبلغ قدر الدين، ومثل هذا يجوز عند جميع العلماء؛ لأنَّه حط وإحسان وليس ببيع، ويجوز عند جماعة العلماء في الصلح ما لا يجوز في البيع، وإلى هذا المعنى ذهب البخاريُّ في ترجمته، قاله ابن بطال (١).