أراد البخاري بهذا الباب -والله أعلم- ليدل على أن ما يقع من الناس في محاوراتهم مما يكثر وقوعه بينهم، فإن الشرط بالقول يغني في ذلك بالكتاب والإشهاد عليه.
ألا ترى أن موسى لم يُشهد أحدًا على نفسه حين قال:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ صَابِرًا}[الكهف: ٦٩]، وكذلك الخضر حين شرط على موسى أن لا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكرًا، لم يكتب بذلك كتابًا، ولا أشهد شهودًا.
وإنما يجب الإشهاد والكتاب في الشروط التي يعم المسلمين نفعها، ويخاف أن يكون في انتقاضها والرجوع فيها جرم وفساد، وكذا ما في معناها مما يخص بعض الناس، فاحتيج فيها إلى الكتاب والإشهاد خوف ذلك، ألا ترى أن سيد الأمة كتب الصلح مع سهيل بن عمرو وأهل مكة؛ ليكون حاجزًا للمشركين من النقض والرجوع في شيء من الصلح، وشاهدًا عليهم إن همُّوا بذلك.
وفيه: أن النسيان لا يؤاخذ به، ووجوب الرفق بالعلماء، وأن لا يهجم عليهم بالسؤال عن معاني أقوالهم في كل وقت إلا عند انبساط نفوسهم، وانشراح صدورهم لا سيما إذا شرط ذلك العالم على المتعلم.
وفيه: أنه يجوز سؤال العالم عن معاني أقواله وأفعاله؛ لأن موسى سأل الخضر عن معنى قتل الغلام، وخرق السفينة، وإقامة الجدار، فأخبره بعلل أفعاله، ووجه الحكمة فيها، وإنما كان شرطه ألا يسأل عن شيء حتى يحدث له منه ذكرًا -والله أعلم- أنه أراد أن يتأدب عليه في تعلمه، ويأخذ عفوه فيه حتى ينشط إلى الشرح والتفسير، ففي