وقوله:(كَانَتْ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي القَاسِمِ)، قيل: حلف عمر، وقال: ما هو بالهزل، ولكنه الفصل يريد قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالهَزْلِ (١٤)} [الطارق: ١٣ - ١٤].
وفيه: دلالة أن العداوة توجب المطالبة بالجنايات، كما طالبهم عمر بفدعهم ابنه.
ورجح ذلك بأن قال:(ليس لنا عدو غيرهم)، فعلق المطالبة بشاهد العداوة، فأخرجهم من الأرض على ما كان أوصى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ترك عمر مطالبتهم بالقصاص في فدع ابنه، لأنه فدع ليلًا وهو نائم، كما قاله المهلب، فلم يعرف ابن عمر أشخاص من فدعه، فأشكل الأمر كما أشكل أمر عبد الله بن سهل حين وداه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند نفسه (١).
وفيه: أن أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقواله محمولة على الحقيقة على وجهها لا على الهزل حتى يقوم دليل المجاز والتعريض، وإنما أقر - عليه السلام - يهود خيبر على أن سالمهم في أنفسهم، ولا حق لهم في الأرض، واستأجرهم على المساقاة، ولهم شطر الثمرة، فلذلك أعطاهم عمر قيمة شطر الثمر من إبل وأقتاب وحبال يستقلون بها؛ إذ لم يكن لهم في رقعة الأرض شيء.
رابعها: استدل بعضهم من هذا الحديث أن المزارع إذا أكرهه رب الأرض بجناية بدت منه أن له أن يخرجه بعد أن يبتدئ في العمل، ويعطيه
(١) سيأتي برقم (٣١٧٣) كتاب: الجزية، باب: الموادعة، من حديث سهل بن أبي حثمة، ورواه أيضًا مسلم (١٩٦٩) كتاب: القسامة.