قال: ففسّر له الترجمان هذا بالرومية، فقال: أشهد أن هذا صفة عيسى نفسه، وأشهد أن نبيكم صادق، وأنه الّذي بشرنا به عيسى وأنكم قوم صدق، وقال لأبي عبيدة: أدع لي رجلين من أوائل أصحابك إسلاما هما فيما ترى أفضل.
فدعا له معاذ بن جبل وسعيد بن جبير وزيد بن عمرو بن نفيل، فقيل له:
هذا من أفضل المسلمين فضلا ومن أوائل المسلمين إسلاما، فقال لهم الرومي:
أتضمنون لي الجنة إن أنا أسلمت وجاهدت معكم؟ قالوا: نعم، إن أنت أسلمت واستقمت ولم تغيّر حتى تموت وأنت على ذلك فإنك من أهل الجنة، قال: فإنّي أشهدكم أني من المسلمين، فأسلّم، ففرح المسلمون بإسلامه وصافحوه ودعوا له بخير.
وخرج أبو نعيم من حديث أبي بشر محمد بن عبيد اللَّه قال: حدثني عطاء بن عجلان عن بهز بن حوشب عن كعب بن ماتع الحميري أن إسلامه كان [عند] مقدم عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه الشام، وأخبرني كيف كان بدء أمره، قال:
إن أبي كان من أعلم الناس بما أنزل اللَّه على موسى عليه السلام، وكان لم يدخر عني شيئا مما كان يعلم.
فلما حضره الموت دعاني فقال لي: يا بني! إنك قد علمت أني لم أدخر عنك شيئا مما كنت أعلم إلا أني قد حبست عنك ورقتين فيهما نبي يبعث قد أظل زمانه، فكرهت أن أخبرك بذلك ولا آمن عليك أن يخرج بعض هؤلاء الكذابين فتطيعه، وقد جعلتهما في هذه الكوة التي ترى، وطينت عليهما، لا تعرض لهما ولا تنظرن فيهما حينك هذا، فإنّ اللَّه إن يرد بك خيرا ويخرج ذلك الّذي تتبعه.
قال: ثم إنه مات فدفناه، ولم يكن شيء أحب إلي من أن يكون المأتم قد انقضى حتى انظر ما في الورقتين، فلما انقضى المأتم فتحت الكوة، ثم استخرجت الورقتين فإذا فيهما: محمد رسول اللَّه، خاتم النبيين لا نبي بعده، مولده بمكة ومهاجرة بطيبة، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ويجزئ بالسيئة الحسنة، ويعفو ويصفح.
أمته الحمادون الذين يحمدون اللَّه على كل حال، تذلل ألسنتهم بالتكبير، وينصر نبيهم على كل من ناوأه، يغسلون فروجهم ويأتزرون على أوساطهم، أناجيلهم في