للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صدورهم، وتراحمهم بينهم تراحم بني الأم، وهم أول من يدخل الجنة يوم القيامة من الأمم.

قال: فلما قرأت ذلك قلت في نفسي: وهل علمني أبي شيئا هو خير لي من هذا؟ فمكثت ما شاء اللَّه، ثم بلغني أن النبي صلى اللَّه عليه وسلّم قد خرج بمكة وهو يظهر مرة ويستخفي أخرى فقلت: هو ذا، فلم يزل كذلك حتى قيل لي: قد أتى المدينة، فقلت في نفسي إني لأرجو أن يكون إياه، وكانت تبلغني وقائعه: مرة له، ومرة عليه، ثم بلغني أنه توفى، فقلت في نفسي: لعله ليس بالذي كنت أظن حتى بلغني أن خليفته قد قام مقامه، ثم لم يلبث إلا قليلا حتى جاءتنا جنوده، فقلت في نفسي:

لا أدخل في هذا الدين حتى أعلم أنهم هم الذين أرجو وانظر سيرتهم وأعمالهم.

فلم أزل أدافع ذلك وأؤخره لأستثبت حتى قدم علينا عمال عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه فلما رأيت وفاءهم بالعهد وما صنع اللَّه لهم على الأعداء علمت أنهم هم الذين كنت أنتظر، فحدثت نفسي بالدخول في دينهم، فو اللَّه إني ذات ليلة فوق سطحي فإذا رجل من المسلمين يتلو قول اللَّه عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا [ (١) ] ، قال:

فلما سمعت هذه الآية خشيت أن لا أصبح حتى يحول وجهي في قفاي، فما كان شيء أحبّ إليّ من الصباح فغدوت على المسلمين.

قال: وحدثني عطاء عن شهر بن حوشب عن كعب قال: قلت لعمر رضي اللَّه عنه بالشام عند انصرافه أنه مكتوب في الكتب: أن هذه البلاد التي كان بنو إسرائيل أهلها مفتوحة على رجل من الصالحين، رحيم بالمؤمنين، شديد على الكافرين، سره مثل علانيته، وقوله لا يخالف فعله، والقريب والبعيد سواء في الحق عنده، أتباعه رهبان بالليل وأسد بالنهار، متراحمون متواضعون متبارون، فقال عمر رضي اللَّه عنه: ثكلتك أمك! أهو ما تقول؟ فقال: إي والّذي يسمع ما أقول، فقال:

الحمد للَّه الّذي أعزنا وأكرمنا وشرفنا ورحمنا بنبينا محمد صلى اللَّه عليه وسلّم.


[ (١) ] ٤٧: النساء.