للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابن بطال: ومما يدل على ذَلِكَ أيضًا أن ابن عمر راوي الحديث لم يوص، ومحال أن يخالف ما رواه لو كان واجبًا، ولكنه عقل منه للاستحباب (١). وقد أسلفنا رد هذا.

ثم اعلم أن الحق في اللغة هو الثابت مطلقًا، فإذا أطلق في الشرع فالمراد به ثبوت الحق فيه، ثم الحكم الثابت في الشرع أعم من كونه واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا إذ كل واحد منها ثابت وموجود فيه، لكن إطلاق الحق على المباح قلما يقع في الشريعة، وإنما يؤخذ فيه بمعنى الواجب والندب، فإن اقترن به على ما في معناها ظهر فيه قصد الوجوب وإلا فهو محتمل كما جاء في هذا الحديث.

وعلى هذا فلا حجة لداود وأتباعه في التمسك به على الوجوب (٢)؛ لأنه لم تقترن به قرينة تزيل إجماله، فإن أبي إلا دعوى ظهوره قابلناه بما قاله بعض أصحابنا في هذا الحق، أنه قد اقترن به ما يدل على الندب، وهو تعلقها على الإرادة، فإقرار مثل هذا يقوي إرادة الندب، ولو أنَّا سلمنا أن ظاهره الوجوب، نقول بموجبه فيمن كان عليه حقوق يخاف ضياعها، أو له حقوق كما قال أبو ثور.

والترخيص في الليلتين أو الثلاث رفع الحرج والعسر أو أراد الموصي يتأمل ويقدم في هذِه الليالي ما يريد الوصاة به.

وقوله: ("مَكْتُوبَة عِنْدَهُ") فيه: أن الوصية نافذة وإن كانت عند صاحبها، ولم يجعلها عند غيره، وكذلك إن جعلها عند غيره وارتجعها.


(١) "شرح ابن بطال" ٨/ ١٤٢.
(٢) قال بالوجوب أيضًا ابن حزم في "المحلى" ٩/ ٣١٢ فقال: الوصية فرض على كل من ترك مالًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>