للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واعلم أن الله تعالى ذكر الوصية في كتابه ذكرًا مجملًا، ثم بين رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن الوصايا مقصورة على الثلث؛ لإطلاقه لسعد الوصية بالثلث في هذا الحديث، وليس بجور إذ لو كان جورًا لبيّنه، وأجمع العلماء على القول به، واختلفوا في القدر الذي يستحب أن يوصي به الميت، وسيأتي بعد هذا، إلا أن الأفضل لمن له ورثة أن يقصر في وصيته عن الثلث، غنيًا كان أو فقيرًا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لما قَالَ لسعد: "الثُّلُثُ كثِيرٌ" أتبعه بقوله: "إنك إن تذر" إلى آخره، ولم يكن لسعد يومئذ إلا ابنة واحدة كما ذكر هنا وفيما بعد، فدل أن ترك المال للورثة خير من الصدقة به، وأن النفقة على الأهل من الأعمال الصالحة.

وروى ابن أبي شيبة من حديث ابن أبي مليكة، عن عائشة قَالَ لها رجل: إني أريد أن أوصي. قالت: كم مالك؟ قَالَ: ثلاثة آلاف. قالت: فكم عيالك؟ قَالَ: أربعة. قالت: إن الله يقول: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٠] وإن هذا شيء يسير، فدعه لعيالك، فإنه أفضل (١).

وروى حماد، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، أنه ذكر له الوصية في مرضه فقال: أما مالي فالله أعلم ما كنت أفعل فيه، وأما رباعي فلا أحب أن يشارك فيها أحد ولدي (٢)، وعن علي أنه دخل على رجل من بني هاشم يعوده وله ثمانمائة درهم وهو يريد أو يوصي، فقال له: يقول الله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} ولم تدع خيرًا توصي به (٣).


(١) رواه ابن أبي شيبة ٦/ ٢٣٠ (٣٠٩٣٧).
(٢) رواه الطبري ٢/ ١٢٥ (٢٦٦٨)، وعزاه في "الفتح" ٢/ ٣٥٩ إلى ابن المنذر وصحح إسناده.
(٣) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٩/ ٦٢ (١٦٣٥١، ١٦٣٥٢)، وابن أبي شيبة ٦/ ٢٣٠ (٣٠٩٣٦)، والطبري ٢/ ١٢٦ (٢٦٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>