للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ ابن بطال: وفيه أن لفظ الصدقة تخرج الشيء المتصدق به عن ملك الذي يملكه قبل أن يتصدق ولا رجوع له فيه، وهو حجة لمالك في إجازته للموهوب له وللمتصدق عليه المطالبة بالصدقة وإن لم يحزها حَتَّى يحوزها، وتصح له ما دام المتصدق والواهب حيًّا، بخلاف ما ذهب إليه الكوفيون والشافعي أن اللفظ بالصدقة والهبة لا يوجب شيئًا لمعين وغيره حَتَّى يقبض، وليس للموهوب له ولا للمتصدق عليه المطالبة بها على ما سلف في كتاب: الهبات.

وفي هذا الحديث دليل أن الكلام بها قد أوجب حكمًا فله المطالبة للمعين على ما قاله مالك؛ لقوله: (وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ يا رسول اللهِ، فَضعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللهُ). فلم يجز لأبي طلحة الرجوع فيها بعد قوله: إنها صدقة يا رسول الله. لأنه قد صح إخراجه لها عن ملكه بهذا اللفظ إلى من يجوز له أخذها.

وفيه: أن من أخرج شيئًا من ماله لله ولم يملكه أحدًا، فجائز أن يضعه حيث أراه الله من سبل الخير، على ما تقدم قريبًا في باب: إذا وقف شيئًا ولم يدفعه إلى غيره فهو جائز، وأنه يجوز أن يشاور فيه من يثق برأيه، وليس لذلك وجه معلوم لا يتعدى، كما قَالَ بعض الناس: معنى قول الرجل: لله، وفي سبيل الله كذا دون كذا، ألا ترى أن الصدقة الموقوفة رجعت إلى قرابة أبي طلحة، ولو سبلها في وجه من الوجوه لم تصرف إلى غيره.

وذهبَ مالك والشافعي إلى أن من حبس دارًا على قوم معينين أو تصدق عليهم بصدقة ولم يذكر أعقابهم، أو ذكر ولم يجعل نقدها بعدهم مرجعًا إلى المساكين أو إلى من لا يعدم وجوده من وجوه البر

فمات المحبس عليهم وانقرضوا، أنها لا ترجع إلى الذي حبسها

<<  <  ج: ص:  >  >>