لثابت فذكر الحديث، وكان عليه درع نفيسة فمر به رجل من المسلمين فأخذها، وفيه: لما رؤي في المنام ودل على الدرع قالا: لا تقل هذا منام، فإذا جئت أبا بكر فأعلمه أن على من الدين كذا، وفلان من رقيقي عتيق، وفلان، فأنفذ أبو بكر وصيته، ولا نعلم أحدًا أجيزت وصيته بعد موته سواه.
وفي كتاب "الردة" للواقدي بإسناده عن بلال أنه رأى سالمًا مولى أبي حذيفة وهو قافل إلى المدينة من غزوة اليمامة: إن درعي مع الرفقة الذين معهم الفرس الأبلق تحت قدرهم فإذا أصبحت فخذها من هناك وأدها إلى أهلي، وإن عليَّ شيئًا من دين فمرهم يقضونه، فأخبرت أبا بكر بذلك فقال: نصدق قولك ونقضي عنه دينه الذي ذكرته. وذكر أن الذي رأى ثابتًا أيضًا بلال، وأن الذي أخذ الدرع رجل من ضاحية نجد، وكانت نفيسة ورثها من آبائه، وفيه: إن عَبْدَيَّ سعدًا وسالمًا حران.
إذا تقرر ذَلِكَ؛ فالحديث دال على الأخذ بالشدة في استهلاك النفس وغيرها في ذات الله، وترك الأخذ بالرخصة لمن قدر عليها؛ لأنه لا يخلو أن تكون الطائفة من المسلمين التي غزَت اليمامة أكثر منهم أو أقل فإن كانوا أكثر فلا يتعين الفرض على أحد بعينه أن يستهلك نفسه فيه، وإن كانوا أقل وهو المعروف في الأغلب أنه لا يغزو جيش أحدًا في عقر داره إلا وهم أقل من أهل الدار، فإذا كان هذا فالفرار مباح، وإن تعذر معرفة الأكثر من الفريقين، فإن الفار لا يكون عاصيًا إلا باليقين أن عدوهم
مثلان فأقل، وما دام الشك فالفرار مباح للمسلمين ذكره المهلب، والذي نقله الإخباريون أن أهل اليمامة كانوا أضعاف المسلمين.
وفيه: أن التطيب للموت سنة من أجل مباشرة الملائكة للميت.