قلتُ: ذاك أن ينوي عدم العود عند وجدان القوة، وأما من تحيز إلى فئة أو كان فراره لكثرة عدد العدو أو نوى العود إذا أمكنه فلا محذور فيه ولا داخل في الوعيد، ولقد قال تعالى في حق هؤلاء:{ثُمَّ أَنْزَلَ الله سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ}[الفتح: ٢٦].
وفيه: جواز الأخذ بالشدة، والتعرض للهلكة في سبيل الله؛ لأن الناس فروا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يبق معه إلا اثنا عشر رجلاً، والمشركون في أضعافهم عددًا جرارًا كثيرًا فلزموا مكانهم ومصافهم، ولم يأخذوا بالرخصة من الفرار.
وفيه: ركوب البغال في الحرب للإمام كما سلف؛ ليكون أثبت له؛ ولئلا يظن به الأستعداد للفرار والتولي، وهو من باب السياسة لنفوس الأتباع؛ لأنه إذا ثَبَتَ ثَبَتَ أتباعه، وإذا ربي منه العزم على الثبات عزم معه عليه.