استجاز المسلمون طلب دم عثمان إذ لم يكن قتله عن ملاقاة، وإن كان الإمام غير عدل فالواجب عند العلماء من أهل السنة ترك الخروج عليه، وأن يقيموا معه الحدود والصلوات والحج والجهاد وتؤدى إليه الزكوات فمن قام عليه من الناس متأولًا بمذهب خالف فيه السنة أو بجور أو لاختيار إمام غيره سمي فاسقًا ظالمًا عاصيًا في خروجه؛ لتفريقه جماعة المسلمين، ولما يكون في ذَلِكَ من سفك الدماء فإن قاتلهم الإمام الجائر لم يقاتلوا معه ولم يجز أن يسفكوا دماءهم في نصره.
وقد رأى كثير من الصحابة ترك القتال مع على، ومكانه من الدين والعلم ما لا يخفى على أحد له مسكة فهم، وسموه قتال فتنة، وادعى كل واحد على صاحبه أنه الفئة الباغية، وهذا الشأن العصبية عند أهل العلم، ولم ير على علي من فر من القتال ذنبًا يوجب سخطه حاله، وإن كان قد دعا بعضهم إلى القتال فأبوا أن يجيبوه، فعذرهم، وكذلك يجب على الإمام المفلح الذي يأخذ الأمر عن شورى ألا يعتب من بعد عنه، وسيأتي إيضاح كشف القتال في الفتنة في موضعه في كتاب الفتنة إن شاء الله تعالى.
قَالَ الداودي: إنما يقاتل من ورائه من أراد بظلم إن كان عدلاً فأراد طائفة خلعه قوتل من ورائه كما قوتل الخوارج مع علي؛ لقوله:{فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا}[الحجرات: ٩] ولما أراد علي الخوارج يوم الجمل قال له أصحاب عبد الله: نحن معتزلون فإن تبين لنا ظلم أحد قاتلناه. قَالَ على: هذا هو الفقه. وإن كان ظالمًا غشومًا وأراده بعض أهل الإسلام، فإن كان يقدر على خلعه بغير حدث ولا أمر يدخل فيه ظلم خلع، وإن لم يوصل إلى ذَلِكَ إلا مما فيه ظلم كف عنه ولم يستعمل الدعاء عليه، والله سائله وسائل أعوانه وأنصاره.