للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأما حديث مجاشع فإنما كان بعد الفتح وقد قَالَ - صلى الله عليه وسلم -: "لا هجرة بعد الفتح إنما هو جهاد ونية" (١) فكان من بايع قبل الفتح لزمه الجهاد أبدًا ما عاش إلا لعذر يجوز له به التخلف، وكذلك قَالَ بيت ارتجازهم يوم الخندق:

نحن الذين بايعوا محمدًا … على الجهاد ما بقينا أبدًا

ولذلك قَالَ تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٢]، فأباح لهم أن يتخلف عن الغزو من ينفر إلى التفقه في الدين، ولم يبح لغير المتفقهين التخلف عن الغزو، وأما من أسلم بعد الفتح فله أن يجاهد وله أن يتخلف بنية صالحة كما قَالَ: "جهاد ونية" إلا أن ينزل عدو أو ضرورة فيلزم الجهاد كل أحد، ذكره ابن بطال، ثم قَالَ: والدليل على أن كل من بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الفتح لا يجوز له التخلف عن الجهاد أبدًا قصة كعب بن مالك إذ تخلف عن تبوك مع صاحبيه: هلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، أنهم لم يعذروا وعتب الله ورسوله والمؤمنون عليهم، وأخرجوهم من بين ظهرانيهم ولم يسلموا عليهم ولا يكلموهم، حَتَّى بلغت منهم العقوبة مبلغها وعلم الله نياتهم، فتاب عليهم (٢).

وقال ابن التين: كان من هاجر إلى رسول الله غ - صلى الله عليه وسلم - قبل الفتح من غير أهل مكة وبايعه على المقام بالمدينة كان عليه المقام بها حياته - صلى الله عليه وسلم -، ومن لم يشترط المقام من غير أهل مكة بايع ورجع إلى موضعه، كفعل عمرو بن حريث ووفد عبد القيس وغيرهم، وكانت الهجرة فرضًا على


(١) سلف برقم (١٨٣٤) كتاب: جزاء الصيد، باب: لا يحل القتال بمكة.
(٢) "شرح ابن بطال" ٥/ ١٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>