فالأول: الذي يحرم به الدم أن يصرح بلفظ يفهم منه التأمين، فإذا أمنه فقد حرم بذلك دمه والغدر، وعلى هذا جماعة العلماء.
والثاني: أن يخادعه بألفاظ هي معاريض غير تصريح بالتأمين؛ فالحرب خدعة.
واختلف في تأويل قتل كعب بن الأشرف على وجوه:
أحدها: أنه من المباح؛ لأن ابن مسلمة لم يصرح له بشيء من لفظ التأمين وإنما أتاه بمعاريض من القول، فيجوز هذا أن يسمى فتكًا على المجاز.
ثانيها: أنه قتله هو من باب أن من آذى الله ورسوله فقد حل دمه ولا أمان له يعتصم به، فقتله جائز على كل حال؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما قتله بوحي من الله وأذن له في قتله، فصار ذَلِكَ أصلاً في جواز قتل من كان لله ولرسوله حربًا، ألا ترى لو أن رجلاً أدخل مشركًا في داره وأمنه فسبَّ عنده الشارع، حل لذلك الذي أمنه قتله ونحوه، هذا ما حكاه ابن حبيب: سمعت المدنيين من أصحاب مالك يقولون: إنما تجب الدعوة لكل من لم يبلغه الإسلام ولا يعلم ما يقاتل عليه، فاما من قد بلغه الإسلام وعلم ما يدعى إليه ومن حارب وحورب مثل الروم والإفرنج، فالدعوة فيما بيننا وبينهم مطرحة، ولا بأس بتثبيت مثل ذَلِكَ بالإغارة وتصبحهم وانتهاز الفرصة فيهم بلا دعوة، وقد بعث الشارع عبد الله بن أنيس الجهني إلى عبد الله بن نُبيح الهذلي فاغتاله بالقتل وهو بعُرَنَة من جبال عَرَفة (١)، وبعث نفرًا من الأنصار إلى ابن