للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واختلف السلف كما قَالَ الطبري: هل يعلم الرجل الشجاع نفسه عند لقاء العدو، فقال بعضهم: ذَلِكَ جائز على ما دل عليه هذا الحديث، وقد أعلم نفسه حمزة بن عبد المطلب يوم بدر بريشة نعامة في صدره، وأعلم نفسه أبو دجانة بعصابة بمحضر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان الزبير يوم بدر معتمًّا بعمامة صفراء فنزلت الملائكة معتمين بعمائم صفر، وقال ابن عباس: في قوله تعالى في: {بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: ١٢٥] أنهم أتوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - مسومين بالصوف، فسوم محمد وأصحابه أنفسهم وخيلهم على سيماهم بالصوف (١)، وكره آخرون التسويم والإعلام في الحرب، وقالوا: فعل ذَلِكَ من الشهرة ولا ينبغي للمسلم أن يشهر نفسه في خير ولا شر، قالوا: وإنما ينبغي للمؤمن إذا فعل شيئًا لله تعالى أن يخفيه عن الناس، إن الله لا يخفى عليه شيء روي هذا عن بريدة الأسلمي، والصواب كما قَالَ الطبري أنه لا بأس بالتسويم والإعلام في الحرب إذا فعله الفاعل من أهل البأس والنجدة، وهو قاصد بذلك شحذ الناس على الائتساء به والصبر للعدو والثبات لهم في اللقاء، وهو يريد ترهيب العدو إذا عرفوا مكانه، وإعلام من معه من المسلمين أنه لا يخذلهم ولا يسلمهم، وإذا لم يرد ذَلِكَ وقصد به الافتخار، فهذا المعنى هو المكروه لأنه ليس ممن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، وإنما قاتل للذكر (٢).


(١) "تفسير الطبري" ٣/ ١٢٨ (٧٧٨٥).
(٢) "شرح ابن بطال" ٥/ ٢٠٠ - ٢٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>