وسألاها الخروج إلى العراق ليستعان بهم أن يعود الأمر شورى، فلم يزالا بها، ولم يزل بها ابن الزبير عبد الله حتى خرجت معهم، فلما سمع ذلك علي خشي أن يأتيه أهل العراق فيُصنع به كما صُنع بعثمان، فقصد القوم إلى البصرة، وقصد علي الكوفة، فراسلهم ثم كان حرب يوم الجمل، فرمي طلحة بسهمٍ من ورائه من أهل عسكره، وانصرف الزبير قبل أن يبرد القتال نادمًا على ما وقع منه وقال: كنت لا أدري معنى قول الله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً}[الأنفال: ٢٥] حتى وقعت فيها، فأنزله عمرو بن جرموز التيمي السعدي وذبح له شاة، فلما نام الزبير وثب عليه ابن جرموز (١) فقتله واحتزَّ رأسه وذهب إلى علي، فقيل لعلي: هذا ابن جرموز أتاك برأس الزبير، فقال: بشروا قاتل الزبير بالنار، وفي رواية: بشروا قاتل ابن صفية بالنار، وذكر ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرمى عمرو بالرأس وهرب، وفيه تقول عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وكان الزبير خلف عليها بعد عمر:
غدر ابن جرموز بفارس بهمة … يوم اللقاء وكان غير معرّد
يا عمرو لو نبهته لوجدته … لا طائشًا رعش الجنان ولا اليد
ثكلتك أمك إن ظفرت بمثله … فيما مضى فيمن يروح وبغتدي
كم غمرة قد خاضها لم يثنه عنها … إيرادك يا ابن قفع القردد
(١) ورد بهامش الأصل ما نصه: ذكر أبو عمر في "استيعابه" في اسم ابن جرموز أقوالاً: أحدهما: عبد الله، ويقال: عمير، ويقال: عميرة، وقيل: نمير وابن جرموز السعدي- وأبى شيخنا القرافي فسماه ( … ) عمر، والذي يظهر أنه عمرو، بفتح العين وزيادة واو، لشعر عاتكة، وقد أنشده كذلك أبو عمر في "استيعابه" في ترجمته، والله أعلم.