وروى الإسماعيلي حديث الباب، عن الحسن بن سفيان، عن محمد بن خلاد الباهلي، عن ابن عيينة.
فصل (١):
أما الحديث فمعناه: أنه كان يكره أن يكون بأرض العرب غير المسلمين؛ لأثه امتحن في استقبال القبلة حتى نزل:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} الآية [البقرة: ١٤٤]، وامتحن مع بني النضير حين أرادوا الغدر به وأن يلقوا عليه حجرًا، فأمره الله بإجلائهم وإخراجهم وترك سائر اليهود، وكان لا يتقدم في شيءٍ إلا بوحي الله، وكان يرجو أن يحقق الله رغبته في إبعاد اليهود عن جواره، فقال ليهود خيبر:"أُقِرُّكُمْ ما أَقَرَّكُمُ اللهُ" منتظرًا للقضاءِ فيهم، فلم يوح إليه في ذلك بشيءٍ إلى أن حضرته الوفاة، فأوحي إليه فيه فقال:"لا يبقين دينان بأرض العرب" وأوصى بذلك عند موته فلما كان في خلافة عمر، وعدوا على ابنه وفدعوه، فحَصَ عن قوله - صلى الله عليه وسلم - فيهم، فأخبر أنه أوصى عند موته بإخراجهم من جزيرة العرب فقال: من كان عنده عهد من رسول الله فليأت به وإلا فإني مجليكم، فأجلاهم.
قال المهلب: وإنما أمر بإخراجهم خوف التدليس منهم، وأنهم متى رأوا عدوًّا قويًّا صاروا معه كما فعلوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب.
قال الطبري: وفيه من الفقه: أن الشارع سنَّ لأمته المؤمنين إخراج كل من دان بغير دين الإسلام من كلِّ بلدة للمسلمين سواء كانت تلك البلدة من البلاد التي أسلم أهلها عليها، أو من بلاد العنوة إذا لم يكن بالمسلمين ضرورة إليهم، ولم يكن الإسلام يومئذٍ ظهر في غير
(١) هذا الفصل بتمامه نقله المصنف -رحمه الله- من "شرح ابن بطال" ١٥/ ٣٤١ - ٣٤٥.