للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جزيرة العرب ظهور قهر، فبان بذلك أن سبيل كل بلدة قهر فيها المسلمون أهل الكفر، ولم يكن تقدم قبل ذلك من إمام المسلمين لهم عقد صلح على إقرارهم فيها، أن على الإمام إخراجهم منها ومنعهم القرار بها، إلا أن يكون المسلمون إليهم ضرورة الإقرار مسافر ومقام ظعن، وأكثر ذلك ثلاثة أيام بلياليهم كالذي فعل الأئمة الأبرار عمر وغيره، فإن ظنَّ ظان أن فعل عمر في ذلك إنما هو خاصٌّ بمدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسائر جزيرة العرب؛ لأمره عليه بإخراجهم منها دون سائر بلاد الإسلام، وقال: لو كان حكم غير جزيرة العرب كحكمها في التسوية بينهما جميعًا في إخراج أهل الكفر منها، لما كان عمر يقر النصارى النبط في سواد العراق، وقد قهرهم الإسلام وعلاهم، ولكان قد أجلى نصارى الشام ويهودها عنها وقد غلب الإسلام على بلادهم، ولما ترك مجوس فارس في أرضهم وقد غلبهم الإسلام وأهله.

فإن الأمر (في ذلك) (١) بخلاف ما ظن، وذلك أن عمر لم يقر أحدًا من أهل الشرك في أرض قد قهر فيها الإسلام وغلب.

لم يتقدم قبل ذلك قهر إياهم منه لهم أو من المؤمنين عقد صلح على الترك فيها إلا لضرورة المسلمين إلى إقرارهم فيها، كإقراره نبط سواد العراق في السواد بعد غلبة المسلمين عليه، وكإقرار من أقر من نصارى الشام فيها بعد غلبتهم على أرضها دون حصونها، فإنه أقرهم للضرورة إليهم في عمارة الأرض؛ إذ كان المسلمون في الحرب مشاغيل، ولو أجلوا عنها لخربت الأرض وبقيت بغير عامر، فكان فعلهم في ذلك نظير فعله - عليه السلام - وفعل الصديق في يهود خيبر ونصارى


(١) من (ص ١).

<<  <  ج: ص:  >  >>