بامتيت أنا ابن الصائغ، أنبأنا القاضي عياض في "الشفا"
فإن قلت: فقد جاءت الأخبار الصحيحة أنه - عليه السلام - سحر، وذكر حديث الباب، ثم قال: وفي رواية أخرى: حتى أنه كان يخيل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن. وإذا كان هذا من التباس الأمر على المسحور، فكيف حاله في ذلك؛ وكيف جاز عليه وهو معصوم؟ فاعلم أن هذا الحديث صحيح متفق عليه. وقد طعنت فيه الملحدة وتذرعت به؛ لسخف عقولها وتلبيسها على أمثالها إلى التشكيك في الشرع.
وقد نزهه الله تعالى عما يدخل في أمره لبسًا. وإنما السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل يجوز عليه كأنواع الأمراض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته.
وأما ما ورد أنه كان يخيل إليه أنه فعل الشيء ولا يفعله، فليس هذا ما يدخل عليه داخله في شيء من تبليغه أو شريعته، أو يقدح في شيء من صدقه، لقيام الدليل والإجماع على عصمته من هذا. وإنما هذا مما يجوز طرؤه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها، ولا فضل من أجلها، وهو فيها عرضة للآفات كسائر البشر، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم ينجلي عنه كما كان، وأيضًا فقد فسر هذا الفصل الحديث الآخر من قوله: حتى يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأتيهن.
وقد قال سفيان: وهذا أشد ما يكون من السحر، ولم يأت في خبر منها أنه نقل عنه في ذلك قول، بخلاف ما كان أخبر أنه فعله ولم يفعله، وإنما كانت خواطر وتخيلات.
وقد قيل: إن المراد بالحديث أنه كان يتخيل الشيء أنه فعله وما فعله، لكنه تخيل لا يعتقد صحته، فتكون اعتقاداته كلها على