للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ولا حجة لمن استدل على منعها بقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: ١٠٣] لاختلاف التأويلات في الآية، إذ ليس يقتضي قول من قال: في الدنيا الاستحالة، وقد استدل بعضهم بهذِه الآية (نفسها) (١)، على جوازاها وعدم استحالتها على الجملة، وقد قيل: لا تدركه أبصار الكفار وقيل: لا تحيط به، وهو قول ابن عباس، وقيل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وإنما يدركه المبصرون، وكل هذِه التأويلات لا تقتضي منع الرؤية ولا استحالتها، وكذلك لا حجة لهم بقوله: {لَنْ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] وقوله هنا: {تُبْتُ إِلَيْكَ} فلما قدمناه؛ ولأنها ليست على العموم؛ ولأن من قال: معناها: لن تراني في الدنيا، إنما هو تأويلٌ أيضًا، فليس فيه نص الامتناع، وإنما جاءت في حق موسى وحيث تتطرق التأويلات، وتتسلط الاحتمالات فليس للقطع إليه سبيل وتوبته من سؤال ما لم يقدر له.

وذكر القاضي أبو بكر (٢) أن موسى رأى ربه -جلَّ وعزَّ-، فلذلك صعق، وأن الجبل رأى ربه، فصار دكًّا، استنبطه من قوله: {وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} [الأعراف: ١٤٣] ثم قال: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: ١٤٣] وتجليه للجبل حتى رآه على هذا القول.

وقال جعفر بن محمد: شغله بالجبل حتى تجلى، ولولا ذلك لمات صعقًا بلا إفاقة، وقوله هذا يدل على أن موسى رآه، وقد وقع لبعض المفسرين في الجبل أنه رآه، وبرؤية الجبل له استدل من قال برؤية نبينا، إذ جعله دليلًا على الجواز، ولا مرية على الجواز؛ إذ ليس في


(١) في (ص ١): (بعينها).
(٢) يعني الباقلاني. قاله عياض في "الشفا" ١/ ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>