للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فصل:

حديث المرأتين أشكل على كثير من الشراح حتى قال بعضهم: إن هذا لم يكن من داود حكمًا وإنما كان فتيا. قال الدوادي: الذي كان من قصة داود وسليمان إنما هو كالتشاور. وليس كما ظن فإنه نص على الحكم، وفتيا النبي كحكمه إذ يجب تنفيذه. وادعى بعضهم أن ذلك من شرع داود أن يحكم به للكبرى أي من حيث هي كبرى.

وهو غلط؛ لأن اللفظ ليس نصًّا فيه؛ ولا الكبر والصغر طرد محض عند الدعاوى كالطول والقصر، والسواد والبياض، فلا يوجب شيء من ذلك ترجيحًا لأحد من المتداعيين حتى يحكم له أو عليه، والذي ينبغي أن يقال -كما نبه عليه القرطبي-: أنه إنما حكم به للكبرى لمرجح عنده لم يذكره هنا، فيمكن أن يقال: إن الولد كان في يدها وعلم عجز الأخرى عن بينة فقضى به لها. وهو حسن.

وفعل سليمان ليس نقضًا لحكم والده وإنما ظهر له من القرينة في الصغرى دون الكبرى، أو لعله كان ممن يسوغ له أن يحكم بعلمه، ولعلها اعترفت عند ذلك، وهو من باب تبدل الأحكام لسبب تبدل الأسباب (١)، وذكر النووي أنه فعل ذلك تحيلًا على إظهار الحق، فلما أقرت به الصغرى عمل بإقرارها، وإن كان الحكم قد نفذ كما لو اعترف المحكوم له بعد الحكم أن الحق لخصمه (٢).

قال ابن الجوزي: وإنما حكما بالاجتهاد إذ لو كان بنص لما ساغ خلافه (٣)، وهو قال على أن الفطنة والفهم موهبة، ولا التفات -كما قال


(١) "المفهم" ٥/ ١٧٥ - ١٧٦.
(٢) "شرح مسلم" ١٢/ ١٨.
(٣) "زاد المسير" ٥/ ٣٧٢

<<  <  ج: ص:  >  >>