للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووقع للبخاري هذا الحديث رباعيًّا من جهة شيخه هذا، ووقع له من طريق غيره خماسيًّا كما أسلفناه، وكذا وقع لمسلم في أعلى طرقه خماسيًّا كما سلف.

الوجه الثالث:

هذا الحديث حديث عظيم حفيل جليل، وهو أحد قواعد الإسلام بل هو مدارها وأُسّها، وإن جعله بعضهم ثلثها وبعضهم ربعها كما سلف في الكلام على حديث: "إنما الأعمال بالنيات" (١) فإنه متضمن لأحكام الشريعة لذكر الحلال والحرام والمتشابهات، وما يصلح القلوب وما يفسدها وتعلق أعمال الجوارح بها؛ فيستلزم معرفة تفاصيل الأحكام كلها أصلًا وفرعًا.

ولنذكر نبذة منه على وجه الاختصار، فإنا قد بسطنا شرحه في "شرح العمدة" (٢) و"شرح الأربعين".

الأولى: ذكر - صلى الله عليه وسلم - أن الأشياء على أضرب: ضرب لا شك في حله، وضرب لا شك في تحريمه، وضرب ثالث مشكوك فيه مشتبه، فمن اجتنبه فقد برَّأ نفسه من المعصية، ومن خالطه وقع في الحرام، وفي هذا المشكوك فيه تفاصيل معروفة في كتب الفروع، فمنه ما يُرَدُّ إلى أصله من حِلٍّ وحرمة وغيرهما، ومنه ما يحكم فيه بالظاهر من ذَلِكَ، ومنه ما يغلب فيه الإباحة، ومنه ما يحكم فيه بالتحريم احتياطًا، فمعاملة من كان في ماله شبهة أو خالطه ربا مكروهة.

الثانية: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ("وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ") كذا في البخاري هنا، وفيه


(١) سبق برقم (١) كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي …
(٢) "الإعلام بفوائد عمدة الأحكام" ١٠/ ٥٩ - ٧٣.