قال ابن الحصار (١): الآيتان لم يتواردا على حكم واحد؛ لأن آية الفرقان نزلت في الكفار وآية النساء: في المؤمن، فلا تعارض، وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وقال فيمن قتل عمدًا: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ}[البقرة: ١٧٨] فأثبت له أخوة الإسلام. وقال:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الآية [الحجرات: ٩]، وإنما لا يغفر الله لمن لا يستغفر، ولا يتوب على من لا يتوب، ولكن تكرر منه قتل المؤمنين، وقتالهم وإن كان متأولًا فهو على ذنب عظيم؛ لأنه لا ينفك عن سوء عقيدته، وقد يحمله ذلك على الاستباحة كما سلف عن ابن عمر رضي الله عنهما.
قلت: وذهب كثير إلى أن آية النساء: منسوخة. فقيل: نسختها آية الفرقان. وقال أكثرهم: بقوله: {إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} الآية.
وقال كثير: إنها محكمة، ثم اختلفوا في وجه إحكامها، فذهب عكرمة على حملها على الاستحلال، وخصت الآية بذلك لنزولها في رجل قتل مؤمنًا وارتد كما سلف، وغلط النحاس هذا الحمل؛ لعموم {مِن} وقد سلف التخصيص، وذكر الخلود لا يقتضي التأبيد؛ لأنه قد يأتي بمعنى امتداد الحين، تقول العرب: لأخلدن فلانًا في السجن. وقال القاضي إسماعيل في كتابه: هذا حكم من أحكام الآخرة ليس بالناس حاجة إلى أن يبرموا قولا غير أنا نرجو القبول من المسلم.
(١) ابن الحصار هو أبو المطرِّف عبد الرحمن بن أحمد بن سعيد القرطبي، المالكي، مات سنة ٤٢٢ ص، انظر "سير أعلام النبلاء" ١٧/ ٤٧٣ (٣١٢).