قتل مؤمنا، والوعيد عليه ثابت إلا أن يتوب أو يستغفر، وقالت طائفة: كل مؤمن قتل مؤمنًا، فهو مخلد في النار غير مرية ويخرج منها بشفاعة الشافعين، وعندنا أن المؤمن إذا قتل مؤمنًا لا يكفر به، إلا أن يستحل. فإن افتدى ممن قتله فذلك كفارة له كما جاء في الحديث، وإن كان تائبًا من ذلك ولم يكن مقادًا من قبل كانت التوبة أيضا كفارة له، فإن خرج من الدنيا بلا توبة ولا قود، فأمره إلى الله، والعذاب قد يكون نارًا وقد يكون غيرها في الدنيا؛ ألا ترى إلى قوله:{يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ}[التوبة: ١٤] يعني بالقتل والأسر؟!
يدل قوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}[المائدة: ٦] فخاطب القاتلين بما خاطب المصلين وقال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} واقتتالهم كان على العمد لا على الخطأ، وروي أن مؤمنا قتل مؤمنًا متعمدا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يأمر القاتل بالإيمان من فعله ولو كفر لأمر به، ولا أنه حرم عليه أهله، وتعلق الخوارج والمعتزلة بالآية، وقد سلف جواب ذلك، وأنها نزلت في كافر قتل مؤمنًا متعمدًا؛ ثم لو سلم نزولها في مؤمن قتل مؤمنًا فلا يسلم أن الخلود التأبيد، بدليل قوله:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ}[الأنبياء: ٣٤].
وقوله {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} وقوله: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (٣)} [الهمزة: ٣] وإنما يعني في الدنيا. ثم الخلود معناه غير معنى التأبيد وأما الغضب فهو جزاء أيضا، وقد يرد الماضى والمراد المستقبل.