للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثانية: فضل النخل، وقد قَالَ المفسرون في قوله تعالى: {كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ}: إنها النخلة {أَصْلُهَا ثَابِتٌ} في الأرض {وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} أي: رأسها {تُؤْتِي أُكُلَهَا} أي: ثمرها {كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: ٢٤ - ٢٥] فشبه عمل المؤمن في كل وقت كالنخلة التي تؤتي أكلها كل وقت.

الثالثة: أشبهت النخلة المسلم في كثرة خيرها، ودوام ظلها، وطيب ثمرها، ووجوده عَلَى الدوام، فإنه من حين يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتَّى ييبس وبعده، ويتخذ منه منافع كثيرة من خشبها، وورقها، وأغصا نها فتستعمل جذوعًا، وحطبًا، وعصيًا، وحصرًا، ومخاصر (١)، وحبالًا، وأواني، وغير ذَلِكَ، ثمَّ ينتفع بنواها علفًا للإبل وغيرها، ثمَّ كمال نباتها، وحسن ثمرته، وهي كلها منافع وخير وجمال، والمؤمن خير كله من كثرة طاعاته، ومكارم أخلاقه ومواظبته عَلَى عبادته وصدقته وسائر الطاعات.

هذا هو الصحيح في وجه الشبه للمسلم وقد جاء في حديث ذكره الحارث بن أبي أسامة (أنه - صلى الله عليه وسلم -) (٢) قَالَ: "هي النخلة لا تسقط لها أنملة وكذلك المؤمن لا يسقط لَهُ دعوة" (٣).

وفيه وجه ثانٍ: أن النخلة إِذَا قطع رأسها ماتت بخلاف باقي الشجر.

وثالث: من كونها لا تحمل حتَّى تلقح، وفيهما نظر؛ لأن التشبيه إنما وقع بالمسلم وهذان المعنيان يشملان المسلم والكافر، وقيل:


(١) مخاصر: جمع مخصرة وهي ما يتوكأ عليه كالعصا ونحوه، وما يأخذه الملك يشير به إذا خاطب، والخطيب إذا خطب راجع "القاموس المحيط" مادة: خصر.
(٢) من (ج).
(٣) "بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث" ص ٣١٩ (١٠٧٤).