للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يا رسول الله إلا كأخي السرار (١)، فكان بعد لا يبين كلامه له حتى يستفهمه.

ولا شك أن رفع الصوت عليه فوق صوته حرام لهذِه الآية، وما ثبت في "الصحيح" أن عمر استأذن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعنده نساء من قريش يكلمنه عالية أصواتهن (٢)، فيحتمل أن يكون قبل النهي، أو أن يكون علو الصوت بالهيئة الاجتماعية لا بانفراد كل منهن. ومعنى قوله: {وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ} لا تخاطبوه: يا محمد، يا أحمد، ولكن يا نبي الله، يا رسول الله؛ تكريمًا له وتوقيرًا، وقيل: {له}، أي: عليه. {كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الكاف كاف التشبيه في محل النصب، أي: لا تجهروا له جهرًا مثل جهر بعضكم لبعض.

وفيه دلالة أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقًا حتى لا يشرع لهم أن يكلموه إلا بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، وكره بعضهم رفع الصوت عند قبره، وبعضهم رفع الصوت في مجالس العلماء؛ تشريفًا لهم، إذ هم ورثة الأنبياء.

الحديث الثاني:

حديث ابن عَوْنٍ أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ أنه - عليه السلام - افْتَقَدَ ثَابِتَ ابْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ فَقَالَ لَهُ: مَا شَانُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ. كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.


(١) رواها البيهقي في "الشعب" ٢/ ١٩٧ (١٥٢١)، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٦٢، وستأتي في البخاري (٧٣٠٢)، بلفظ مقارب.
(٢) سلف برقم (٣٢٩٤) كتاب: بدء الوحي، باب: صفة إبليس وجنوده، ورواه مسلم (٢٣٩٦) كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل عمر - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>