للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العرب شدة حرصها على تحفظ الكلام البليغ، ولم يكن لها شغل ولا صنعة إلا سوى ذلك، فلو لم يكن للصحابة باعث على حفظ القرآن سوى هذا لكان أدل الدلائل على أن الخبر ليس على ظاهره.

قال (١): وقد عددنا من حفظنا منهم وسميناهم نحو خمسة عشر صاحبًا ممن نقل عنه حفظ القرآن في كتابنا المترجم بـ "قطع لسان النائح" وأشرنا فيه إلى تأويلاته لهذا الخبر، وذكرنا اضطراب الرواة في هذا المعنى، فمنهم من زاد في هذا العدد، ومنهم من نقص عنه، ومنهم من أنكر أن يجمعه أحد (٢).

وقال القرطبي: إنما نشأ هذا ممن يظن أن لهذا الحديث دليلَ خطاب، فإنه لا يتم له ذلك حتى يقول: تخصيص هؤلاء بالذكر يدل على أنه لم يجمعه أحد غيرهم، فمن ينفي القول بدليل الخطاب سلم من ذلك بقوله به، فأكثرهم يقول: أن لا دليل خطاب لها باتفاق أئمة الأصول، ولا يلتفت لقول الدقاق فيه، فإنه واضح الفساد، ولئن سلمنا أن لا تقع الأعداد دليل خطاب، فدليل الخطاب إنما يصار إليه إذا لم يعارضه المنطوق به، فإنه أضعف وجوه الأدلة عند القائلين به، وههنا أمران أولى منه (من الاتفاق) (٣): النقلُ الصحيح، وما يُعلم من ضرورة العادة، وقد ذكر القاضي أبو بكر وغيره جماعة من الصحابة حفظوه، فمنهم الخلفاء الأربعة، وقد تواترت الأخبار بأنه قتل باليمامة سبعون ممن جمع القرآن (٤) وكانت اليمامة قريبة من وفاة


(١) هو المازري.
(٢) "المعلم بفوائد مسلم" ٢/ ٣٤٤ - ٣٤٥.
(٣) في "المفهم" ٦/ ٣٧٩: (بالاتفاق).
(٤) انظر ما سلف برقم (٤٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>